Aug 13, 2008

اعتراف طالبة مشاغبة
مزح من العيار الثقيل يوصل الطالبات إلى المستشفى


هذه صفحة من مذكراتي.. هي إحدى مغامراتي المدرسية من أيام المراهقة التي عشتها بتمرد ولكنها عدت بسلام ولله الحمد!
تبدأ أحداث حكايتي حينما كنت لا أزال طالبة في الخامسة عشرة من عمري، كنت آنذاك شخصية ذات شعبية كبيرة في المدرسة حتى جمعت من حولي هالة من الصديقات، ولكنني لم أكن أشعر بمتعة الرفقة والصداقة الحقيقية إلا مع صديقة استمرت صداقتي بها لسنوات، فكنا أشبه بتوأمين لتشابهنا في الطباع ومنها الشقاوة ومرحنا الذي يصل لحد الإزعاج أحياناً، وهواياتنا المفضلة التي لطالما مارسناها في كل مكان داخل وخارج المدرسة، وإحداها –وهي الأكثر متعة- كانت صنع وتدبير المقالب للآخرين!
ما زلت أذكر ذلك الصباح الذي كان الروتين المثير للضجر يسيطر على حصصه وأجوائه، فأحببت بحسن نية أن أضفي شيئاً من المرح، فأخرجت من حقيبتي تلك المادة الخبيثة التي اشتريتها من أحد المحلات المتخصصة في أدوات الخدع والمقالب، وعرضتها على صديقتي الحميمة (شوشو) ولمحت في عينيها نظرة شريرة وحماس متقد!!
وبعد انتهاء الحصص الثلاث الأولى؛ رن جرس الفسحة لنخرج أنا وصديقتي إلى الساحة حيث التجمعات والشلل، وهناك أخذت أنا و(شوشو) نرمي من تلك المادة على الطالبات اللاتي نعرفهن واللاتي لا تربطنا بهن أي علاقة وعلى وجوههن علامات الاستغراب!؟، وهي عبارة عن بودرة مسببة للحكة... وانتظرنا أن يبدأ مفعولها إذ أن المادة تتطلب دقائق ليظهر أثرها على الشخص المصاب والذي لا يزول إلا بعد الاستحمام كما أخبرني البائع في محل الخدع، وكم كنا تواقتين لرؤية تلك الأعداد الهائلة من الطالبات وهن يهرشن أجسادهن معاً في وقت واحد.... كنا نظن بأنه سيكون مشهداً ممتعاً لتوقعنا أننا سنضحك كثيراً، ولكن المقلب انقلب ضدنا في النهاية بعد أن أخطأنا في طريقة استعمال البودرة، حينما أفرطنا في تفريغ محتوياتها على رؤوس الطالبات وأطرافهن، والمفروض أن تكون الرشة صغيرة بحجم يقل عن ملعقة الشاي!
وبدأت رحلة العذاب، بعد أن أصيبت إحدى الطالبات بإغماء والأخرى بنوبات إعياء متكررة بسبب الحساسية والربو الذي تعاني منه، وأخريات بشرتهن لم تتحمل كل هذه الحكة حتى شوهت الجروح أعناقهن وأياديهن!
وقد هز ذلك المقلب أرجاء المدرسة عندما تطورت المشكلة لتصل إلى تدخل أولياء الأمور ورفع الشكاوى والتهديدات لصاحب المدرسة، وكان من ضمنهم والد إحدى أضعف (الضحايا) من الطالبات، وهو رجل بدوي شديد وصعب التفاهم معه أقسم أنه سيأخذ حقه بنفسه إن حدث لابنته مكروه، وكانت ابنته كثيرة التردد على المستشفيات بعد ما أصابها.
أما باقي الفتيات المصابات فلم يكن حالهن أفضل من زميلتهم تلك، فقد كن يذهبن إلى المستشفى من أجل أخذ حقنة يومياً مع بداية الحصة الرابعة حيث كانت (تأتيهن الحالة) حسب التوقيت الذي رميناهن فيه بتلك البودرة اللعينة!
وكنا نضطر أنا و(شوشو) للذهاب معهن أيضاً بطلب من الأطباء، حتى حفظنا أنا ورفيقتي المشتركة معي في (الجريمة) موعد حضور تلك الإدارية التي كانت تطلبنا من المعلمة كل يوم؛ لنخرج قبل حضورها بدقائق!
وفي كل مرة كنا ندخل فيها إلى المستشفى يحاصرنا الأطباء بأسئلة تكاد لا تنتهي عن تلك البودرة حتى يقوموا بتحليل مكوناتها ليتعرفوا على المواد المضادة لها فيستطيعون إيجاد العلاج المناسب.....أراد الأطباء وضع حد لحيرتهم أمام حالة الحمى والغثيان وتحسس الجلد الغريب معاً، فما كان بأيدينا أنا و(شوشو) إلا البحث في كل الأسواق عن تلك المادة بعد أن اختفت من المحلات بشكل مفاجئ! وقيل بأنها منعت من البيع! ليكتمل سوء النحس ونعجز عن مواجهة تهديدات الإدارة في المدرسة وتحقيقات الأطباء في المستشفى وتوبيخ أهلينا في البيت!!
وجدنا نفسينا في ورطة وأخذت كل واحدة تلوم الأخرى، فهي تلومني على فكرتي الجهنمية بينما كنت ألومها على رميها لمغلف البودرة الورقي في "التواليت"- تكرمون- بعد انتهائنا من المقلب المشؤوم، فلو كنا قد احتفظنا على الأقل بالمغلف لكان شاهداً على حسن نوايانا، بتلك الصورة التي يحملها والتي يظهر فيها رجل يهرش جسده بقوة!


ولكي نثبت لجميع من أساء الظن بنا أن تلك البودرة ليست إلا لعبة بريئة وليس كما أشيع في المدرسة، أنها نوع من أنواع المخدرات!!
نعم، تم اتهامنا قبل التحقق من ماهية البودرة، واسودت الدنيا في عيني تلك الأيام حينما أحاطت بنا الشبهات والهمسات من الطالبات، ونظرات الشك التي لا تخلو من الاحتقار في عيون البعض من المعلمات اللاتي لم يتقبلن حضوري أنا بالذات لحصصهن!
ولكن ولله الحمد انتهت معاناتنا وخرجنا من ذلك المأزق بأعجوبة، إذ كتب الله الشفاء لضحايا بودرة (العفريت) كما هو اسمها في السوق، ولا بارك الله في (العفريت) الذي اخترعها!
الجدير بالذكر والظريف في الموضوع هو انتشار إشاعة أخرى في المدرسة ذلك الحين، مفادها أن الطالبات (الضحايا) هن في الحقيقة مصابات بالجرب فكان البعض يخشى الاحتكاك بهن!
وفي نهاية العام الدراسي وحينما كنت أودع صديقات الدراسة أقبلت إحدى المصابات لتطبع قبلة الوداع رغم كل الذي فعلته بها هي وغيرها!
وعندما صافحتها لفت انتباهي تلك آثار شقاوتي على تلك البشرة الناعمة، فطلبت منها أن تغفر لي ذلك المقلب وأن تجعل من تلك الآثار ذكرى لمدرستنا التي جمعتنا، والتي رغم أنني عانيت فيها الظلم والاضطهاد بعض الشيء إلا أنني تخرجت منها وزميلاتي ومعلماتي يطالبنني بعدم القطيعة والنسيان، فقد سامحني الكل لأنني إنسانة طيبة وتشفع لي خفة ظلي على حد قولهن!
أخيراً......ذهبت قبل فترة لأتفقد ذلك المحل وأرى ما جديدهم بدافع الفضول وحب الاستطلاع لا أكثر ولا أقل، وعرض علي البائع نوعاً جديداً من المقالب اسمه (بودرة العطس) فخرجت على الفور من المحل قبل أن تستيقظ بداخلي الأفكار الشيطانية وتحركني شقاوتي من جديد!

نشر في جريدة (اليـوم) سبتمبر 2000

4 comments:

  1. شقاوة بنات

    طرح جميل .. واحداث مضحكه مبكية
    احسست بمعاناة الطالبات الضحايا

    الغريب انهم لم يتهموك بالجمرة الخبيثه ههههه

    وما اضحكني .... والد الفتاة البدوي (على حد قولك) تخيلت شكله وهو ممسك بتلاليبك هههههه

    تحياتي
    وان كان لك مجموعة قصصية .. اتمنى افادتنا لها

    دمتم بخير

    ReplyDelete
  2. ذكريات الشقاوة لا تنسى رغم الألم الذي يكون في بعضها مثل هالقصة التي أكاد أجزم أنها من أصعب أوقات حياتك
    ولكن لو عاد الزمان وخيرتي بأن تعاودي الكرة أو تقلعي فأنا متأكد بأنك ستعاوديها فهي ذكريات لا تنسى ولا تعوض
    ولكن ينبغي أن تكون في حدود المعقول حتى لا ينقلب السحر على الساحر

    نصيحة
    اللي حاب يجرب متعة هالشقاوة يجربها على الأساتذة والأبلات عشان يكون عقابه عبرة لمن لا يعتبر
    ههههههههههههه

    ReplyDelete
  3. تلك اللحظات تبقى في نفوسنا رغم مرور الزمن نعشقها ونرجع اليها عندما نحتاج للبسمه

    ReplyDelete
  4. مشاء الله عليك أخت غادة الحمدلله إنك سلمت من هالمقلب إنت وصديقتك

    ReplyDelete